غابات الجبل الأخضر في ذمة الله
بقلم / الاستاذ جمعة ابوزيد
رأيت اليوم أن اغلب شوارع مدينة البيضاء ممتلئة بأكداس بل بجبال من أكياس الفحم وأكياس الحطب ثم القواعد الخشبية لتقطيع اللحم ( القرمة ) وهي بالالاف ومقطوعة من أشجار خضراء ، وهي كافية لحرق المدينة بأكملها في صورة لم أرها في السنوات الماضية .
وهذا التجميع الكبير لمنتجات الغابة سببه قرب عيد الأضحى المبارك ، فذكرني هذا بتساؤلات الرئيس التونسي المرحوم الحبيب بورقية في اجتماع حيث وجه سؤالا للحاضرين هل تعرفون من هو عدوكم ؟
فقام كل منهم بالاجتهاد في تسمية العدو ، فكان يجيب بالرفض وفي الأخير قال لهم ان عدوكم هو الماعز لانه يقضي على الثروة الزراعية فهو يتغذى على أوراق الأشجار فيقضي عليها فيجب القضاء عليه ؛ وأنا أقول أيضا ان عدو الحياة الخضراء في الجبل الأخضر هو تلك الآلة البغيضة المسماة المنشار الآلي لقطع الأشجار خاصة تلك التي تعمل بالبنزين ، فمنذ ان ظهرت هذه الآلة اللعينة تضاعف تدمير الغابات الطبيعية والأشجار المزروعة .
ان ظاهرة العبث بغابات الجبل الأخضر كانت قد بدأت منذ الخمسينات الا ان الالات التي كانت تسعمل في ذلك هي آلات بسيطة مثل الفأس والمنشار اليدوي وكانت تعتمد على الجهد العضلي فكان قطع شجرة واحدة بكل اغصانها قد يستغرق أياما من الجهد العضلي من عامل قوي العضلات اما الان فبإمكان أي انسان ضعيف أن يقطع عدة أشجار في ساعات دون أي جهد فيجب القضاء على هذه الآلة وعدم استيرادها واعتبار حيازتها جريمة فنحن ليست لدينا الغابات ا لكثيفة التي تحتاج الى مثل هذه الالة
انه مما يحز في النفس ان الاستعمار الايطالي كان احرص منا على حماية الغابات حيث انشأ جهاز حرس الغابات وانشاء عشرات المقرات له في المرتفعات لمراقبة المنخفضات وكان الفوريستاري forestare )) شرطي الغابات يخيف الناس اذا اساءوا استعمال الغابة وفي ذلك الوقت الوقود الوحيد هو الحطب والفحم ولكن كان يتم تحت رقابة شديدة ولا يستعمل الأخضر منه وكانت عملية استزراع الغابات مستمرة … وكانت وزارة الزراعية تتكون من ادارتين احداها للرزاعة والاخرى للغابات وتوجد محطات للغابات في الفويهات ببنغازي والاخرى في المرج وفي الزردة والاخرى في البلنج والاخرى في شحات والاخرى في درنة هذا بالنسبة لبرقة قثط وكانت هذه المحطات تقوم بعمل شتول للغابات بعشرات الالاف يتم زراعتها سنويا في الجبال والوديان سواء بتكليف الشباب او الجنود او عن طريق تعيين العمال ثم في عهد الإدارة البريطانية قامت النقطة الرابعة الامريكية بزراعة مساحات شاسعة من الغابات منها غابة القوارشة في بنغازي وغابة سيدي محمد الحمري بالبيضاء … ورغم أنه يوجد تشريع قوي لحماية الغابات الا ان المشكلة عندنا هي مشكلة تطبيق وليست مشكلة تشريع ، وحسب دراسة اجراها المرحوم الدكتور جمعة فحيمة منذ عدة سنوات فإن رمال الصحراء ستختلط برمال البحر في غضون مدة اقصاها 50عاما فيصبح الجبل الاخر أصفر اللون مثل سرت وبني وليد وتنتهي الخضرة منه للأبد وتضيع التربة الحمراء ، ان غابات الجبل الاخضر نقصت خلال 50 عاما 83% من مساحتها والخطورة تكمن في ان الكثير من انواع الاشجار والشجيرات الصغيرة لاتخلف وستنتهي للابد …. هذه الحقيقة المرة ومن اراد الاستزادة فلعيه اخذ معلومات اوفى من الدراسة التي اشرنا اليها للدكتور جمعة افحيمة .
إضافة الى هذا وخلال السنوات الأخيرة برزت ظاهرة حرق ما تبقى من غابات الجبل الأخضر واغلب هذه الحرائق مفتعلة للحصول على اراضي فضاء وعمل مخططات سكنية غير مشروعة وبيعها بيعا باطلا بمبالغ طائلة يستفيد مدعي ملكية الارض منها بالملايين ، وقضت هذه
الحرائق على مساحات شاسعة من الغابات فاصبح جرداء ، رغم ان هذه الغابات هي ملك للدولة المريضة والنائمة ، فمنذ العهد التركي ان هذه الاراضي والوديان تسمى اراضي اميرية أي مملوكة للدولة والانتفاع ا لقبلي بها في حدود الرعي وزراعة القمح والشعير البسيطة واستمرت كذلك حتى ثمانينات القرن الماضي حيث انقلبت امور راسا على عقب وظهر ملاك لها بالقوة واصبح البيع والشراء غير قانوني الهدف منه ( شراء هرجة ) ثم قام هؤلاء الملاك غير الشرعيين بتجريف الغابة والقضاء عليها ثم افتعال ا لحرائق عندما يشتد الحر ، ثم يقوم بتقطيع الأشجار ويبيعها فحما او حطبا ثم يقوم بتجريف التربة الحمراء وهي ليست عميقة في الغالب فيبيعها تربة زراعية ثم يقوم بتجريف التربية البيضاء التي تحتها لاستخدامها في الطرق الترابية ثم يحول الأرض الزراعية الى مخطط سكني غير مشروع في ظل نيام إدارات التخطيط العمراني …
هذا حالنا في الأخضر .
لقد قرأت العديد من المنشورات في الفيس بوك حول هذا الموضوع واني انصح من يهمهم هذا الامر ان يقوموا بانشاء منظمة من منظما ت المجتمع المدني يكون هدفها المحافظة على ماتبقى من الغابة ومحاربة التجريف والضغط على الجهات المختصة بتنفيذ القوانين ، ثم تشجيع العودة لحملات التشجير على نطاق واسع والزام كل مزاع ومالك قطعة ارض زراعية ان يزرع عددا من أشجار الغاابات في ارضه … وأتمنى ان تكون المبادرة من المهندسين : صالح محمد امنيسي وعبدالله المرتضي وان ينضم ا ليهما الأستاذ حامد حلاق وهم خبراء كبار في هذا المجال ويحملون حسا وطنيا صادقا وهو أبناء هذا الجبل وتتاح الفرصة لمن يريد الانضمام …
أن الجبل الأخضر ، بغاباته وأفنانه ووديانه ، واحدة من المنح الربانية الكثيرة ، التي تمتن بها العناية الإلهية على بعض الشعوب ، ذلك بالإضافة إلى طيب هوائه وحلاوة مائه وكثافة غاباته ، حتى شاع في العالم ذكره ، فألحقته اليونسكو بمكتسبات البشرية المتميزة ، فلو لم يكن الإضرار به محرما بشريعة الله ، لكان جريمة في حق الوطن .