شجرة الطلح بمنطقة الوديان الليبية في خطر

نبذة عن الشجرة الضحية ، شجرة الطلح – الاكاسيا

شجرة الطلح هي شجرة من جنس السنط ، يسمى الطلح الملتوي و تنمو بالمناخ شبه الصحراوي و الصحراوي ، و تعتبر من الأشجار المعمرة و المقاومة للعطش و الجفاف، تمتاز بتوفيرها للظل و ثمار الخروب التي تعد غذاء عالي القيمة للأغنام ، و أيضا تعتبر أوراقها و أغصانها الطرية غذاء للأبل بالإضافة إلى قيمتها العلاجية، حيث يتم استخدام أوراقها و اللبان أو الصمغ الذي تخرجه خلال الشهر الأول من فصل الصيف ، و أيضا حبوب ثمار الخروب في معالجة العديد من الأمراض و في وجودها حفاظ على التوازن البيولوجي و المناخي
تتعرض شجرة الطلح لعملية قطع جائرة و مستمرة بليبيا – و بلدة نسمة و الأودية الواقعة في نطاقها الجغرافي في الجنوب الغربي من ليبيا أو فيما يسمى بمنطقة الوديان، ليست بمعزل من هذه الظاهرة السلبية – وهذه الظاهرة ، منذرة، في حالة ما استمرت إلى القضاء شبه التام على هذا المكون الطبيعي الهام ، فشجرة الطلح تعد من الأشجار الأساسية بالبيئة الصحراوية و تجري عملية قطعها في ظل غياب دور السلطات المسؤولة وأيضا في ظل غياب وعي الكثير من المواطنين بمدى خطورة هذه العملية على المحيط البيئي الذي ينتمون إليه

لمحة تاريخية عن تاريخ قطع أشجار الطلح بالمنطقة

بالرجوع إلى الماضي و إلى تاريخ عملية القطع بالمنطقة و ذلك من خلال سؤالي لعدد من كبار السن الذين عاصروا تلك الفترة ، جاءت إجاباتهم متشابهة من حيث أن الباعث الرئيسي للقيام بعملية القطع و صناعة الفحم يرجع إلى محدودية مصادر الدخل في ذلك الوقت و حالة الفقر المدقع الذي كان سائدا قبل إكتشاف النفط في ليبيا.
كانت عملية القطع و صناعة الفحم من أشجار الطلح تقوم بها أغلب العائلات في فترة الستينيات من القرن الماضي وما قبلها ، و تتم عملية القطع باستعمال فؤوس و أدوات بدائية ، و تتم صناعة الفحم عن طريق ما يسمى محليا “بـ المردومة” و علميا بعملية الحرق بمعزل عن الهواء . بعد ذلك يتم بيع المنتج من الفحم إلى ما كان يسمى بدكاكين الفحم المنتشرة في بعض الأودية في منطقة القبلة ، و تأتي عربات النقل، الإيطالية الصنع ، من مدينة طرابلس العاصمة ، و التي يرسلها التجار، الذين ترجع أصولهم لمنطقة نسمة و لغيرها ، إلى تلك الدكاكين المنتشرة بالأودية لتشتري إنتاجهم بمبالغ زهيدة لقاء عمل شاق ما كان ليتم القيام به لولا العوز و ألم الفاقة .
تعود تلك العربات إلى طرابلس لتفرغ حمولتها عند ما يسمى في ذلك الوقت “بالفندق” وهو الاسم الذي كان يطلق على المكان الذي يملكه تاجر الفحم و المخصص لبيع الفحم.
كان الطلب على مادة الفحم طوال فترة السنة ، دون تركيزه كما يحدث الآن على فصل الشتاء و ذلك لكونه المصدر الرئيسي للطاقة بجانب الكيروسين في تلك الأيام.
بعد اكتشاف النفط في ليبيا و تحسن الحالة الاقتصادية للمواطن الليبي و انتقال من كانوا يقطنون الأودية إلى المدن و القرى و نتيجة لتوفير مصادر أخرى للطاقة كالكهرباء و غاز الطهي ، انتهت عملية قطع أشجار الطلح لغرض صناعة الفحم و ألقيت الفؤوس و أقفلت دكاكين الفحم وفنادقه ، عندها نمت من جديد عشرات الآلاف من أشجار الطلح بتلك الأودية في مأمن من فؤوس صانعي الفحم و بقية شركائهم في عملية القطع ، و لكن قبل عدة سنوات عادت عملية القطع من جديد، ولكن البواعث و الطرق اختلفت كثيرا فبدلا من باعث الفاقة و العوز ، أصبح الباعث التربح و اللهث وراء المال على حساب الطبيعة ، وبدلا من التركيز على الاستفادة من بقايا الأشجار الميتة نتيجة السيول والرياح و العطش ، أصبح الشجر الحي هو الهدف وبدلا من فؤوس ومعاول بدائية أصبحت مناشير الديزل الفتاكة هي أداة الجريمة و أصبح تناقص أشجار الطلح بشكل مفزع تزايد عدد الأشخاص الذين المساهمين في عملية الإبادة و مقطع الفيديو التالي يوضح جزء بسيط لا يذكر من عملية . القطع البشعة لاشجار عمرها يناهز المائة عام !

 

تفاصيل مراحل عملية قطع الأشجار و صناعة الفحم و بيعه

في البداية كان من يقوم بعملية القطع شخص أو شخصين و بشكل خجول و كانت تتم الاستفادة من الأشجار الميتة أو التي جرفتها السيول أو اقتلعتها الرياح في عملية صناعة الفحم ، لكن حاليا أصبح العمل تجاريا محضا ، حيث يتم القطع دون هوادة للأشجار الحية باستخدام مناشير الديزل التي لاترحم أحيانا حتى أطراف من يستخدمها ، و يتم استغلال العمالة المهاجرة للقيام بهذه الأعمال حيت يتم الانتقال إلى الأودية المجاورة ، و أحيانا حتى القريبة من البلدة وتتم عمليات قطع الأشجار على التوالي و أحيانا يتم قطع شجرة و ترك مجموعة من الأشجار و قطع أخرى حتى لا تتم ملاحظة عملية القطع
و يتم نقل جدوع و أغصان الأشجار المقطوعة في عربات نقل صغيرة و جرارات زراعية و يتم تكديسها قرب البلدة ، حيث يتم تجميع كميات كبيرة منها تم من بعد ذلك البدء في عملية صناعة الفحم بطريقة الحرق بمعزل عن الهواء، و هو ما يسمى محليا ب” المردومة” و لوحظ قيام بعض الأفراد من المناطق المجاورة بالتعدي على أشجار الطلح داخل نطاق الأودية التابعة لبلدة نسمة بعد أن أبادوا الآلاف من أشجار الطلح في أودية مناطقهم .

الفرق بين الإحتطاب و القطع الجائر

كل الإحترام و التقدير للعمل الشريف ، و لا ضير في من يوم بجمع الحطب وبيعه ليعول أسرته فهنا الفرق بائن بينه و بين من يقوم بقطع الأشجار الحية ، ففي عمل الأول أجر كبير و في عمل الثاني إثم كبير و الأحاديث النبوية واضحة في هذا الشأن حيث ورد عن رسولنا الكريم في الحديث الصحيح عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه)) و لكن الأمر مختلف في حالة قطع الأشجار الحية ، حيث ورد عن سيدنا محمد صلوات الله تعالى وسلامه عليه فقال (من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار) صححه الألباني ، و نسأل الله تعالى أن يعين الشرفاء و يهدي من يفسد في الأرض

أين يذهب الفحم الناتج عن عملية القطع ؟

يفرز الإنتاج بعد ذلك، و يباع جزء بسيط منه بالبلدة و يباع الجزء الأكبر بالمدن المجاورة حيث أن فحم أشجار الطح هو الأكثر طلبا في السوق مقارنة بالفحم الذي مصدره اشجار الزيتون و السرول . تنتهي رحلة الجذوع والأغصان في أكياس ذات أحجام كبيرة و صغيرة تباع في الأسواق و تبدأ عملية القطع من جديد دون توقف و تمر الأيام وتزداد الظاهرة انتشارا، فقط ما يقل هو عدد أشجار أميرة الصحراء الاكاسيا وتزداد الآثار الجانبية السلبية لهذه الظاهرة الخطيرة.

الأثار السلبية على بلدة نسمة و المترتبة عن عملية القطع

تقع بلدة نسمة جنوب مدينة طرابلس و تحت حافة الجبل الغربي الجنوبية و تعتبر طبيعة المناخ صحراوية تماما . تعاني هذه المنطقة من ندرة الأمطار و تعتبر شجرة الطلح من الأشجار القليلة القادرة على التأقلم و العيش في هذا المناخ الصحراوي الجاف.
تقع البلدة على جانب وادي يعتبر من أكبر أودية ليبيا يسمى وادي سوف الجين و هو واد يتغذى من مرتفعات الجبل الغربي و يتجه من الغرب باتجاه الشرق حتى ينتهي بمنطقة تاورغاء على ساحل البحر المتوسط.
تتركز أشجار الطلح بهذا الوادى مشكلة جدار صد الرياح القادمة من اتجاه الغرب و لكن عملية القطع المستمرة أصبحت تخلف مساحات كبيرة مكشوفة شكلت براح لزحف الرمال لتعاظم شدة الرياح ، نتيجة لقطع المصد الوحيد، منذرة بتكدسها قريبا على أبواب ونوافذ منازل ساكني البلدة. يضاف إلى ذلك الأبخرة والدخان المتصاعد نتيجة الحرق بعزل الهواء، فكثيرا ما يستنشق سكان البلدة رائحة الدخان المنشرة نتيجة قرب أعمال صناعة الفحم ” المردومة” من أطراف البلدة لتزيد عملية تلوث الهواء الذي هو أصلا ملوث بكميات كبيرة من الغبار نتيجة عدم وجود طرق تخفف من حدته ، وما يزيد الأمر سوء أنه لا توجد مطلقا أي مبادرات لغرس أشجار لصد الرياح بالوادي المذكور ، لا على مستوى القطاع العام من وزارة الزراعة والجهات التابعة لها و لا على مستوى القطاع الخاص ، فالعمل بالزراعة قليل جدا ، فقط بعض المحاولات من بعض الأفراد بطرق بعيدة عن الهندسة الزراعية كثيرا ما تنتهي بالفشل ، نتيجة عدم وجود دعم لهذا القطاع من الجهات المسؤولة رغم خصوبة التربة و إمكانية الاستفادة من مياه السيول التي يجلبها هذا الوادي عدة مرات في العام و ذلك عن طريق بناء سدود و زراعة أشجار مثمرة كأشجار الزيتون و غيرها تكون لها فائدة اقتصادية و بيئية كبيرة . و الخلاصة أنه في حالة استمرار عملية القطع ، ستزداد النتائج السلبية المترتبة على ذلك و ابسطها عملية زحف و تكسد الرمال بالطريق الرئيسي الذي يربط البلدة بالمناطق الأخرى ـ الأمر الذي سبب و لا يزال في العديد من حوادث السيارات و قريبا ستصبح أكوام الرمال بشوارع البلدة و على أبواب منازلها

أثار سلبية أخرى على التنوع البيئي و المراعي

يؤدي قطع أشجار الطلح إلى الإخلال بالتنوع النباتي و يلحق ضرر كبير بالمراعي و التي تؤثر سلبا على تربية الأغنام و الأبل بشكل عام، فالمنطقة تعتمد بشكل أساسي على الثروة الحيوانية كأحد أهم مصادر الدخل بالمنطقة ، و الثمار التي تنتجها أشجار الطلح تعد مصدر غذائي هام للأغنام في فصل الصيف كما أن الظل الذي توفره أشجار الطح يعتبر هو مصدر الظل الوحيد للبشر و الحيوانات ففصل الصيف حار جدا في هذه المنطقة و وجود الظل شئ أساسي و بقطع هذه الأشجار تكون النتائج جد كارثية

كلمة أخيرة ….

نتمنى أن لا تغرب شمس أشجار الطلح قريبا و نتمنى أن تقوم الجهات الرسمية و الإجتماعية بالتحرك سريعا للنظر في هذه الظاهرة و الوقوف على أسبابها وإيجاد الحلول الجذرية لها ، و يجب النظر في أمر من لا يملك مصدر رزق أخر يترزق منه أن يوفر له سد للذرائع ، و من يفعل ذلك لأجل التربح يجب إيقافه ، و نتمنى من الأشخاص الذين يقومون بهذا العمل أن يتوقفوا عن ذلك، فنحن جميعا شركاء في هذا المكون الطبيعي الهام الذي وهبنا الله تعالى إياه ، و ليعلموا أنه ما من منفعة مادية أي كان شكلها تضاهي المنفعة الناتجة بالمحافظة على هذا المكون الهام و لا تشكل هذه المنفعة شئ أمام حجم الضرر الذي ستلحقه عملية القطع بالبشر و بالطبيعة ومكوناتها ، و حتى بمن يقوم بعملية القطع نفسه و أيضا بمن يتجاهل فعل هذا الأخير و لا يحرك ساكنا و أخيرا بما سيلحقه هذا العبث بالأجيال القادمة !

اظهر المزيد